يتذكر «يونغ –جون بارك» حياة «الحرمان» في كوريا الشمالية، ونقص الغذاء المؤدي إلى الجوع، والافتقار إلى الرعاية الصحية المسبب للموت، وغياب الفرص أما أبناء الشعب الذين تجبرهم الحكومة على العمل في ظروف غير إنسانية.
توقّع الشاب مستقبلاً خالياً من الأمل. لذا، عندما مات والده قبل عقد مضى، بسبب عدم توافر الرعاية الطبية، قرر «بارك» ووالدته وشقيقته الصغرى المجازفة بأرواحهم والفرار إلى كوريا الجنوبية. وكان خوف الثلاثي من الاعتقال وعقوبة الإعدام أقل من خوفهم من العيش تحت نير نظام استبدادي.
وبعد الفرار إلى الصين في البداية، وصل «بارك» وأسرته إلى وجهتهم، أي سيؤول، في نهاية المطاف. وخلال السنوات التالية، أتم دراسته الثانوية وتخرج في الجامعة، وهو يعمل الآن في مؤسسة غير ربحية تمولها الحكومة الكورية الجنوبية تساعد اللاجئين من كوريا الشمالية، ويقول: «إن الكوريين من الشمال يكافحون كفاحاً مضنياً، فالوجه الحقيقي لكوريا الشمالية ليس حياة الترف التي يظهرها النظام في وسائل إعلامه».
وتؤكد أحدث تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة أن كوريا الشمالية المزدهرة موجودة فقط في الدعاية التي يروّجها نظام الزعيم كيم جونج أون. ورغم ذلك، وبينما يسعى المسؤولون من أميركا وكوريا الجنوبية إلى إقناع «أون» بوقف برنامجه للأسلحة النووية، نادراً ما سعى أي طرف إلى فتح ملف حقوق الإنسان مع بيونج يانج.
ولفت إغفال مسألة حقوق الإنسان انتباه المدافعين عن القضية، لاسيما مع وصول الرئيس «مون جي إن» إلى السلطة في كوريا الجنوبية، بسبب خلفيته كمحامٍ في مجال حقوق الإنسان.
ويُصر القادة في سيؤول على أنهم يدركون عمق احتياجات الشعب عبر الحدود، وصادقت الحكومة في الشطر الجنوبي لشبه الجزيرة الكورية الشهر الجاري على إرسال مساعدات بقيمة 8 ملايين دولار، في صورة مواد غذائية إلى الشطر الشمالي عبر وكالات الإغاثة الدولية.
وفي الوقت ذاته، يؤكد «تشانج إن مون»، المبعوث الخاص للرئيس «مون»، أن الدفع بقضية حقوق الإنسان في كوريا الشمالية إلى الواجهة، من شأنه تعطيل المفاوضات، لذلك ربما كانت الفرصة الأمثل هي تطبيع العلاقات بين البلدين وتخفيف معاناة الكوريين الشماليين. وقال «تشانج إن مون»: «لا يمكن إثارة ملف حقوق الإنسان مع بيونج يانج، وإذا فعلنا، فإنهم لن يُنصتوا بعد ذلك»، معتبراً أن نزع فتيل التهديد النووي يعتبر خطوة أولى ضرورية. وتابع: «إذا ما تمكنّا من حلّ هذه القضية، فيمكننا عندئذ معالجة قضية حقوق الإنسان، وستصبح كوريا الشمالية أكثر انفتاحاً».
ومن المزمع أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الكوري الشمالي كيم جون أون في وقت لاحق من الشهر الجاري لمناقشة إحياء المحادثات التي انهارت بعد فشل القمة الثانية بين الرئيسين في العاصمة الفيتنامية هانوي مطلع العام الجاري.
ويعتبر «براد آدامز»، المدير التنفيذي لـ «هيومان رايتس ووتش» في آسيا، أن صمت المسؤولين الأميركيين والكوريين الجنوبيين بشأن الظروف المعيشية في كوريا الشمالية، يشكل تخلياً عن السكان هناك. وأضاف: «إن الاتفاق النووي قد يكون جيداً لبقية العالم، لكنه لن يغير حياة الشعب الكوري الشمالي كثيراً».
وتشير تقارير حقوقية إلى أنه لم يحدث أي تقدم على صعيد حقوق الإنسان منذ أن فرّ «بارك» عام 2009 مع عائلته، أو خلال السنوات الخمس منذ أن توصّل تحقيق أممي إلى أن حكومة «بيونج يانج» ارتكبت مجموعة جرائم واسعة النطاق ضد الإنسانية.
وتشمل انتهاكات النظام الكوري الشمالي إجبار البالغين والطلاب على العمل القسري، إضافة إلى التعذيب وإعدام السجناء السياسيين وانتهاكات مهينة للنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. ولا تزال الحريات المدنية المحمية بموجب دستور الدولة، لاسيما حرية التعبير والدين والصحافة، مجرد سراب!
* كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»